المدينة القديمة

نبذة عن حلب أكبر المدن السورية

المدينة القديمة
المدينة القديمة في حلب عام 2006. صنفت اليونسكو المدينة القديمة باعتبارها موقعا تراثيا عالميا  

حلب أكبر مدينة في سوريا، وكانت تعد عاصمة البلاد التجارية والصناعية.

وعثر في قلعة حلب الشهيرة على آثار معبد يعود تاريخه للالفية الثالثة قبل الميلاد.
وأثرت حلب سياسيا واقتصاديا في القرن الثامن عشر قبل الميلاد بوصفها عاصمة لمملكة يمحاض حتى سقوطها على ايدي الحيثيين.
بعد ذلك، اصبحت حلب مدينة مهمة في العصر الهيليني ونقطة تجارية رئيسية للتجار المتجهين من البحر المتوسط الى الاراضي الواقعة الى الشرق.

وتم استيعابها لاحقا من قبل الامبراطورية الرومانية، ثم اثرت بوصفها مركزا للقوافل التجارية تحت الحكم البيزنطي.
وفي عام 636 ميلادية، سيطر عليها العرب المسلمون، وبعد نحو 80 عاما وخلال فترة حكم الخليفة الاموي سليمان بن عبدالملك تم تشييد جامعها الكبير.

وفي القرن العاشر الميلادي، اصبحت حلب عاصمة للدولة الحمدانية، اعقبت ذلك فترة اتسمت بالفوضى والحروب تصارع فيها البيزنطيون والصليبيون والفاطميون والسلاجقة على السيطرة على المدينة والمناطق المجاورة لها.
ولم تتماثل حلب الا في منتصف القرن الثاني عشر، وفي القرن الثالث عشر وتحت حكم الايوبيين تمتعت المدينة بعهد من الثراء الكبير والتوسع.

ولكن ذلك العهد انتهى فجأة في عام 1260، عندما غزاها المغول. وعانت المدينة من وباء الطاعون عام 1348 ومن هجوم مدمر قاده تيمورلنك عام 1400 ميلادية.

وفي عام 1516، اصبحت حلب جزءا من الامبراطورية العثمانية، واصبحت مركزا لولاية حملت اسمها وبرزت كمركز للنشاط التجاري بين الشرق واوروبا.

ولكن دور حلب كوسيط تجاري انحسر في اواخر القرن الثامن عشر، وانحسر اكثر عندما رسمت بريطانيا وفرنسا حدود الدولة السورية الحديثة التي عزلت المدينة عن جنوبي تركيا وشمالي العراق علاوة على خسارة ميناء الاسكندرون لتركيا في عام 1939.
وعقب استقلال سوريا، تطورت حلب لتصبح مركزا صناعيا مهما ومنافسة للعاصمة دمشق. وزاد عدد سكانها بشكل كبير من 600 الف نسمة الى حوالي 4,3 مليون نسمة بحلول عام 2005.
واليوم، يشكل المسلمون السنة اغلبية سكان حلب، معظمهم عرب مع بعض الاكراد والتركمان، كما تسكن المدينة اكبر جالية مسيحية في سوريا بمن فيهم العديد من الارمن اضافة الى جاليات شيعية وعلوية.

هل سيصبح الجليد شيئا من الماضي؟

هل سيصبح الجليد شيئا من الماضي؟
تسببت عاصفة ثلجية شديدة مؤخرا في وقف الحركة في نيويورك والعاصمة الأمريكية واشنطن، وهو أمر يبدو غريبا عندما تتذكر أن العالم يزداد حرارة في الفترة الأخيرة.

لقد أصبحت العواصف الثلجية الشديدة بمثابة تقليد سنوي. وبالكاد يمر عام دون أن يجد شخص ما في مكان ما نفسه في مواجهة عاصفة ثلجية شديدة. وآخر الناس الذين لم يحالفهم الحظ بطبيعة الحال هم سكان نيويورك.

وبالنظر إلى أن العالم يزداد دفئا بشكل مضطرد نتيجة تغير مناخي من صنع الإنسان، فإن العديدين من الناس يصابون بالذهول إزاء هذه الظاهرة ويعتبرونها غريبة جدا. فهل فعلا لا يفترض لنا رؤية العديد من العواصف الثلجية الشديدة إذا كان العالم يزداد حرارة؟
أحد ردود الفعل التي ظهرت بعد تلك العاصفة الثلجية القوية هو الادعاء بأن التغير المناخي أسطورة. ولكن حتى لو قبلت الإجماع العلمي الساحق على أن التغير المناخي حقيقي، فإن تساقط الثلوج لا يزال يبدو محيرا. ربما لم ترتفع حرارة العالم حتى الآن بما فيه الكفاية لإذابة كل الثلوج؟

الإجابة الحقيقية مفاجئة نوعا ما. فتساقط الثلوج بغزارة هو في الواقع نتيجة متوقعة لعالم أكثر دفئا.
قد يبدو هذا متناقضا، ولكن يعود السبب في ذلك إلى أننا غالبا ما نفترض أن المتطلب الوحيد لسقوط الثلوج هو الطقس البارد.
وفي الواقع، فإن الثلوج الكثيفة تتطلب شيئا آخر: الكثير من الرطوبة في الغلاف الجوي. وتلك الرطوبة إجمالا تتكون في جيوب الهواء الدافئ، لأن الجو يمكنه أن يحمل بخار الماء بزيادة سبعة في المئة كلما ارتفعت الحرارة بدرجة مئوية واحدة.
وتكثر تلك الجيوب من الهواء الدافئ مع التغير المناخي، مما يساعد على تفسير ما حصل على الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأسبوع الماضي.

                          
ونتيجة جزئية للتغير المناخي، فإن المحيط الأطلسي الآن أكثر دفئا مما كان عليه حتى قبل بضعة عقود. ونتيجة لهذا الارتفاع في درجة حرارة المحيطات، فإن الهواء فوق المحيط الأطلسي دافئ ورطب أيضا على غير عادته.
وعندما التقى ذلك الهواء الدافئ بالهواء البارد والجاف من القطب الشمالي، تشكلت عاصفة شتوية، لذا كانت الظروف مناسبة جدا لعاصفة الثلوج الوحشية.

ويتوقع أن يضرب الساحل الشرقي للولايات المتحدة طقس شتوي قارس مماثل لسنوات عديدة قادمة، لأن المكونان اللازمان لإحداث عواصف ثلجية شديدة سيستمران في الحدوث. وسيستمر المحيط الأطلسي في تزويد المنطقة بالهواء الدافئ الرطب في فصل الشتاء، وبنفس القدر من الأهمية، فإن القطب الشمالي سيستمر في إرسال هوائه البارد والجاف إلى الجنوب.
ويقول كيفن ترنبيرث من المركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي في بولدر بولاية كولورادو: "من الممكن للقطب الشمالي أن يصبح خاليا من الجليد لفترات قصيرة في حوالي 30 عاما في منتصف الصيف، ولكن في الشتاء فإنه سيستمر في التجمد في الغالب. لذا فإن الهواء القاري البارد سيستمر في التشكل في الواقع".

ولكن التغير المناخي ظاهرة معقدة. وحتى إذا كان وجود عالم أكثر دفئا يساعد على خلق الظروف المناسبة لتساقط ثلوج كثيفة في بعض المناطق، فهذا لا يعني بالضرورة أن المزيد من الثلوج سوف يتساقط بشكل عام.
ويقول بول أوغرمان في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: "تتجاوب حالات تساقط الثلوج بكثافة مع تغير المناخ بشكل مختلف تماما عن مجموع تساقط الثلوج الموسمية".

في دراسة أجريت عام 2014، استخدم أوغرمان نماذج حاسوبية لاستكشاف إمكانية تغير تساقط الثلوج المعتدلة والكثيفة في نصف الكرة الشمالي بحلول نهاية القرن، على افتراض أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون (ظاهرة غازات البيت الزجاجي) ستبقى عالية.

                          
بالنسبة للمناطق التي يقل ارتفاعها عن ألف متر فوق مستوى سطح البحر والتي تواجه حاليا درجات حرارة تحت الصفر، توصل أوغرمان إلى أن فرصة سقوط ثلوج بالغة الكثافة ستنخفض بمعدل ثمانية في المئة فقط. ولكن الكمية الإجمالية للثلوج التي تسقط في هذه المناطق كل شتاء قد تنخفض بنسبة 65 في المئة في المتوسط.

يقول أوغرمان:" هناك مناطق يتوقع فيها أن ينخفض المستوى الإجمالي لتساقط الثلوج الموسمية، بينما لا تتغير كثافة تساقط الثلوج المبالغ فيها كثيرا أو حتى تزيد بالمقارنة.

وحسب ترنبيرث فقد يقصر موسم الثلوج نفسه أيضا في المستقبل. ومن المرجح أن تكون بداية الشتاء ونهايته أكثر دفئا في جميع أنحاء القطب الشمالي، لذا ففي هذه الأوقات أي هطول سيكون على شكل أمطار بدلا من الثلوج.
وبعبارة أخرى، فقد يصبح الطقس الثلجي بالفعل أقل شيوعا في المستقبل، وقد يصبح موسم تساقط الثلوج أقصر، إلا أن عواصف الثلوج الشديدة الكثافة قد تبقى شائعة على النحو التي هي عليه هذه الأيام.

وهذه أنباء سيئة بالنسبة للتجارة المبنية على الثلوج. وكما يقول ترنبيرث: "العديد من منتجعات الثلوج على الساحل الشرقي للولايات المتحدة ستتوقف عن العمل نظرا للطبيعة المتفرقة للعواصف الثلجية، إلا إذا كان بإمكانها أن تصبح انتهازية."


توسع الكون

توسع الكون

توسع الكون.. ظاهرة مدهشة حيرت العلماء


توسع الكون.. ظاهرة مدهشة حيرت العلماء

*فداء ياسر الجندي
أتى على الناس حين من الدهر، كانوا يظنون أن الأرض هي مركز الكون والشمس تدور حولها، ومع تقدم الزمن وتقدم العلم، وتقدم وسائل العلماء في البحث والكشف، اكتشف العلماء أن الأرض ليست مركز الكون، وأنها ليست إلا كوكبا في مجموعة من الكواكب تدور حول الشمس.

وظن العلماء لبرهة أن الكون هو ذاك النظام الشمسي، وأن الشمس مركز الكون وأنها ثابتة في مكانها، ثم ما لبثوا أن اكتشفوا أن الشمس ما هي إلا نجم صغير من مجموعة هائلة من النجوم، سموها مجرة درب التبانة، تنتمي شمسنا إليها، وتعد نجومها بالمليارات.

ومرت فترة من الزمن ظن العلماء أن هذه المجرة هي الكون، ثم ما لبثوا أن اكتشفوا أن مجرتنا درب التبانة ليست إلا نقطة في بحر الكون العظيم، وأن مليارات المجرات تسبح فيه، حسب ما كشفته مراصد العلماء حتى يومنا هذا، وأن هذه المجرات تتباعد باستمرار، وأن هذا التوسع الكوني تزداد سرعته بنسبة مدهشة منضبطة، ولا يتم بسرعة ثابتة.

هل ارتكب آينشتاين غلطة عمره؟
غير أن تأخر هذه الاكتشافات قد أربك واحداً من أكبر علماء الفيزياء والفلك في التاريخ، وهو ألبرت آيتشناين، الذي يبدو أنه كان سابقاً لعصره، ذلك لأنه توصل -بعبقريته النادرة- إلى وضع نظرية النسبية العامة عام 1915، يوم كان العلماء يظنون أن مجرتنا هي الكون كله، إذ لم تكن وسائلهم وأدواتهم تسمح لهم بأكثر من ذلك.

ونظرية النسبية العامة هذه، تشرح كيفية تفاعل الكتل والضوء مع الحركة والفراغ، ودور الزمان في ذلك كله، وقد وضعها آينشتاين بعد دراسة حركة الأجرام في السماء وطبيعة الضوء وسرعته، وعلاقة ذلك كله بالزمن، وأشياء أخرى كثيرة.
غير أن آينشتاين واجه مشكلة عند وضع المعادلات النهائية لنظريته، لأنها لم تكن لتصح إلا إذا افترض أن الكون في حالة تمدد أو انكماش، وهذا ما لم يكن العلم قد توصل إليه في زمانه، فاضطر أن يضيف لمعادلاته رقماً ثابتاً سماه "الثابت الكوني"، فانضبطت معادلاته وأصبحت تعبر تماماً وبدقة عن العلاقة بين الأجرام والضوء والفراغ والزمان.

ولكن العالم "أيدوين هابل"، ما لبث أن اكتشف بعد فترة قصيرة من وضع النظرية النسبية، أن الكون يحتوي على مليارات من المجرات، ومجرتنا واحدة منها، وأن هذه المجرات تتباعد عن بعضها باستمرار، أي أن الكون يتمدد، وهذا التمدد هو ما أوحى للعلماء بنظرية الانفجار العظيم المعروفة، وأن نظرية النسبية منضبطة دون الحاجة إلى وضع "الثابت الكوني" فيها، وهنا ينقل بعضهم عن آينشتاين أنه اعتبر وضعه لذلك الثابت الكوني في معادلات نظريته كان غلطة عمره، وأنه كان عليه أن يفترض أن الكون يتمدد فعلا.
وهنا يقفز إلى الذهن قوله تعالى: "والسماءَ بنيناها بأيد وإنا لموسعون"، فالمختصون بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم، يقولون إن في هذه الآية إعجازا علميا مبهرا، لأن فيها إشارة واضحة إلى توسع الكون العظيم.

العلم الحديث يفجر المفاجأة
غير أن ما اكتشفه العلماء من بعد آينشتاين وهابل كان مفاجأة مذهلة وغير متوقعة، ولو كان آينشتاين حياً لكان أسعد الناس بهذه الاكتشاف. فالكون يتمدد، نعم، ولكن العلماء اكتشفوا أن التمدد لا يتم بسرعة ثابتة، بل بسرعة متزايدة بانتظام، أي أن سرعة تمدده تزيد بشكل منتظم مع مرور الزمن.

ولضبط نظرية النسبية وما يتعلق بها، كان لا بد من إضافة "الثابت الكوني" مرة أخرى، فأعادوا إضافة ثابت كوني مرة أخرى إلى معادلات نظرية النسبية، وإن كانت قيمته فيها اختلاف عن القيمة التي افترضها آينشتاين، ولكن القيمة ليست بذات بال، فالمبدأ واحد.
وقد توصل العلماء في إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) قبل بضع سنوات، وبعد رصد ودراسات عميقة مستفيضة، إلى أن سرعة تمدد الكون تزداد بمقدار يعادل تقريبا 74 كيلومترا في الثانية، لكل ثلاثة ملايين سنة ضوئية.

ولتوضيح ذلك نضرب مثالا فنقول، إن سرعة ابتعاد مجرتنا عن مركز الكون عندما كانت أقرب بمسافة ثلاثة ملايين سنة ضوئية إلى مركز الكون، كانت أقل من سرعتها اليوم بمقدار 74 كيلومترا في الثانية، وعندما تبتعد عن مركز الكون بمسافة ثلاثة ملايين سنة ضوئية أخرى، ستكون سرعتها قد ازدادت آنذاك عن سرعتها اليوم بمقدار 74 كيلومترا في الثانية.
جدير بالذكر أن مسافة ثلاثة ملايين سنة ضوئية، يسميها العلماء الفرسخ الفضائي، ترجمة لكلمة "mega parsec"، ذلك لأنه بسبب المسافات الهائلة في الفضاء لا بد من وجود وحدة قياس تتناسب معها يستطيع العلماء استخدامها في قياساتهم.
ومع أن تمدد الكون وتوسعه، وتسارع هذا التمدد، أمر ثابت ومؤكد للعلماء بلا خلاف، إلا أن سببه لا زال موضع دراسة، ويأمل العلماء في التوصل إليه قريبا، وأكثرهم يميل إلى أن سببه هو ما يسمونه الطاقة القاتمة، وبعضهم يسمونها الجاذبية المضادة، وهي أمور فيزيائية فلكية معقدة، مفصلة في مراجع الفيزياء والفلك، وخلاصتها أن العلماء متأكدون من وجود قوة تعاكس الجاذبية تؤدي إلى هذا التسارع.

انضباط محكم شديد
لقد كانت دهشة العلماء كبيرة عندما اكتشفوا أن توسع الكون يتم بشكل متسارع، أي بسرعة تزداد مع مرور الزمن، فالأصل أن تتباطأ سرعة الأجرام الناتجة عن الانفجار العظيم لا أن تتسارع، غير أن ما زاد من دهشتهم وذهولهم بشكل كبير، هو الدقة الشديدة لمقدار هذا التسارع.

فقد تمكنوا بعد دراسات عميقة ومفصلة أتاحتها لهم المراصد الإلكترونية الحديثة التي بإمكانها أن تلتقط الضوء القادم من مجرات تبعد عنا مليارات السنين الضوئية، من أن يتوصلوا إلى أن دقة التسارع الذي يتمدد به الكون مذهلة مدهشة عجيبة، لأن أي تغير في تسارع تمدد الكون -حتى لو كان بنسبة ضئيلة لا تزيد على واحد مقسوم على مليار مليار، أي واحد مقسوم على عشرة عن يمينها 17 صفرا- سيؤدي لو حصل زيادة أو نقصانا إلى استحالة وجود الكون على الصورة التي نعرفها.
فلو زاد تسارع الكون بتلك النسبة الضئيلة، لتفرقت مادته في الفضاء ولما تكونت النجوم والمجرات والكواكب، ولو أنه كان أبطأ بهذه النسبة، لانكمش الكون على نفسه مرة أخرى، ولعاد للحظة الانفجار العظيم، وإن هذه الدقة الشديدة في تسارع تمدد الكون لدليل على أن الانفجار العظيم لم يكن عشوائياً بل كان محسوباً بدقة خارقة معجزة.

لقد أقر العلماء بالإجماع على أن تسارع تمدد الكون مضبوط بدقة فائقة الدقة والحساسية، ووقفوا أمام هذه الدقة، وأمام غيرها من الثوابت الكونية، في ذهول ودهشة واستغراب، حتى الملحدين منهم، وها هو العالم الشهير ستيفن هوكينغ -وهو ملحد يدافع عن نظرية الصدفة في نشوء الكون- يقر بذلك فيقول "إن سرعة الكون تتسم بالحساسية الفائقة والدقة المتناهية".

أما نحن معشر المؤمنين، فلا نندهش ولا نستغرب، لأننا آمنا بالله وقرأنا قوله تعالى "ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارْجِعِ البصر هل ترى من فطور"، وقرأنا قوله تعالى "قد جعل الله لكل شيء قدرا"، لذاك ترانا كلما عرفنا آية من آيات الله في الكون نردد ما علّمنا إياه ربنا في كتابه فنقول: "ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك".
تضليل الدماغ

تضليل الدماغ

"تضليل" الدِّماغ..طريقة مبتكرة لمعالجة الأمراض العصبية


"تضليل" الدِّماغ..طريقة مبتكرة لمعالجة الأمراض العصبية

يجتهِد عدد من المختبرات والشركات السويسرية الناشئة المُختصّة في مجال الأبحاث المتطوِّرة للدِّماغ البشري وعِلم الأعصاب، في إيجاد حلول جديدة متفوِّقة التِّقنية لمُساعدة المرضى، على الرغم من النّقص العالمي المُحبط في العلاجات المتاحة لإضطرابات الدماغ.


الطريق المؤدّي إلى أسفل الوادي من قمّة صخرة "روشيه دو لياز" المُطلة على نهر الرون في فرنسا، يبدو طويلاً. وعلى الرغم من معدّات التسلّق والحبل المربوط بي، لا أشعر بالكثير من الأمان وأنا أجلس فوْق المنحدر الصخري الشاهق، وصوت صفير الرّيح يدوي في أذني.

على يميني، ألمح أحد المتسلِّقين وهو يهبط في اتجاهي، مؤشراً للتوثق من أني على ما يرام. وبدوري، أتحرّك نحو الأمام وألوِّح له بيدي.
في تلك اللّحظة فقط تذكّرت أن كلّ ما يحدث لي، ليس حقيقياً في الواقع، وبأني كُنت أرتدي سمّاعات رأس وأذن بتِقنية الواقع الإفتراضي. وبدلاً من أن أكون مربوطاً إلى جِدار صخري، كُنتُ أقِف في الواقع داخل "آلة إستبدال الواقِع"، المكوّنة من حُجرة عرض صغيرة في ‘منتدى الدماغ والأعصاب 2015’، وهو مؤتمر دولي لعلم الأعصاب، تمّ تنظيمه خلال الفترة ما بين 29 مارس إلى 1 أبريل، في مركز سويس تك للمِعارض، التابع للمعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان.

هذا المشروع التّجريبي الجديد، الذي أقوم باختباره والمسمّى ‘رياليزم’ RealiSM، يجمع بين علم الأعصاب الإدراكي وتِقنية الواقع الإفتراضي، وهو يهدِف إلى دراسة الذّاكرة والإدراك والفضاء القريب - الذي يكون في متناول يَد الشّخص - من أجل الإستخدامات السَّريرية والعِلاجية، كما يوضِّح برونو هيربيلين، رئيس المشروع والباحث في المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان.

"نحن نعمل على المُحَفِّزات التي تسمَح للدِّماغ ببناء وجودنا في الفضاء، حتى تبدو التجربة طبيعية ولكي يتسنّى لك نِسيان كل ما يدور خلفك من عمل"، بحسب هيربلين.

مشاهِد التسلّق البانورامية التي كنت أعيشها وأنا أرتدي سمّاعات رأس بتقنية الواقع الإفتراضي، كانت مُرَكَّبة من لقطات حقيقية تمّ تسجيلها مُسبَقاً باستخدام 16 كاميرا من نوع "GoPro" مُثبتة على حامل ثلاثي القوائِم (ترايبود) خاص. كذلك تم إلتِقاط الأصوات الحيّة لذلك المُحيط وتسجيلها باستخدام أربعة أزواج من مُكبِّرات الصوت.
فضلاً عن ذلك، تمّ تجهيز سمّاعة الرأس بكاميرا صغيرة مُجسَّمة تُصَور يديك وقدميك وكافة حركات جسمك، وتجعلك تنغمِر جسديا في المشهد وهو يُعرَض مرة ثانية في الوقت الحقيقي. وهكذا يتعرّض عقلك للتّضليل والإعتقاد بأنك موجود هناك على حافة الهاوية بالفعل.
وقد يبدو كل هذا مُمتِعاً جدّاً بالنسبة لعشّاق الألعاب الإلكترونية، بَيْد أن فريق مشروع "رياليزم" يأمل بأن تكون له إستخدامات سريرية عملية أيضاً. وكما يزعم الفريق، سيُتيح استخدام تِقنيات العِلاج السلوكي المعرفي للمتخصِّصين، إمكانية معالجة أمراض القلق واضطرابات المزاج أو الإجهاد النفسي اللاّحق للإصابة / الصّدمة. ومن المقرر توفير هذه التكنولوجيا في غضون العاميْن المقبلين، لكي يتسنّى تصنيع/تصميم المشاهِد التجريبية، حسب الطلب.
"نحن كبَشَر لسْنا مزوَّدين بشبكة أسلاك ثابتة، ويمكن للتّجارب أن تغيِّر هذا التّشابك العَصبي في أدمغتنا"، كما يوضّح الدكتور جميل العماد، الرئيس المشارك لمشروع "ريالِيزم".

إعادة تأهيل الشبكة العصبية

بدورها، قامت شركة ‘مايند مايز’ MindMaze السويسرية أيضاً بِدَمج تِقنية الواقع الإفتراضي مع عِلم الأعصاب. وفي المجال نفسه، ابتكرت الشركة المتفرِّعة من المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان العديد من التطبيقات، بضِمنها تطبيق ‘مايند بلاي’ MindPlay، وهو مُنتج غيْر مُكلف لإعادة التأهيل، يهدِف إلى مساعدة مرضى السّكتة الدِّماغية وإصابات الدّماغ، على استخدام أطرافهم مرّة ثانية. وقد عُرِضَت هذه التقنية أيضاً في ‘منتدى الدماغ والأعصاب 2015’.

وفي هذه التقنية، يتِم توجيه المرضى خلال سلسلة من التمارين التي يُمكِنهم ممارستها في المستشفى أو في المنزل، بينما تقوم كاميرا مصنوعة خصِّيصا بتتبّع تحركاتهم. وباستطاعة المُصاب بجلطة في المُخّ رُؤية صورة مُجَسَّدة لأطرافِه غير المُتأثرة على الشاشة وهي تؤدّي بعض المهام، مثل التسديد نحو هدف ما. وفي وقت لاحق، تُعكَس الصورة المُجَسَّدة ويتِم خِداع الدِّماغ للإعتقاد بأن الطّرف المُتضرِّر هو سليم في الواقع.

ووِفقاً لتيج تادي، الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة ‘مايند مايز’، يؤدّي هذا إلى "شكل من أشكال إعادة التنظيم أو التفعيل بين مناطق مُختلفة من القشرة الدِّماغية، وهو ما نقوم باستغلاله وقياسه، ومِن ثَمَّ تخصيصه وتدْريبه لتحقيق أقصى قَدر لهذه المُرونة".

وتعمل هذه التمارين على تمكين إعادة تنشيط الوصلات العصبية بيْن المخ والأطراف التّالفة في وقت مبكّر، وهو ما يؤدّي في كثير من الحالات إلى تأهيل الذِّراعين أو الساقين العاجِزة عن الحركة، وجعلها قادِرة على ذلك مرّة ثانية.

"إن الأسابيع الثلاثة الأولى بعد السّكتة الدماغية، هي نافذة الفُرصة الذهبية. وقد أظهرت دراساتنا في مستشفى جامعة لوزان (CHUV) وفي سيون (كانتون فالي)، بأنه بالإمكان المُباشرة بإعادة التأهيل بعد مرور أسبوع واحد على الإصابة بالسكتة الدِّماغية"، كما قال غانغادار غاريبيلّي، العالم في شركة ‘مايند مايز’.

وبالإضافة إلى ما سبق، شهِد هذا التجمّع العِلمي في مدينة لوزان أيضاً، عَرض نموْذج أوَّلي لجهازٍ يعمل على المساعدة في تشخيص نوْبات الصَّرَع والتنبُّؤ بها.

ويجري المزيد من العمل على هذا الجهاز، الذي تم تطويره من قِبل شركة ‘نويرو برو’ NeuroPro للبحوث الطبِّية، التي يقع مقرّها في زوريخ، في مركز الصّرع السويسري. وسيُعمد إلى تنفيذ الاختبارات السريرية بواسِطته في وقت قريب، كما يُفترَض أن يكون جاهِزاً للبيْع في غضون عاميْن.

ولم تمثل الأجهزة التي عرضتها الشركات الآنفة الذكر، سوى بضعة تقنيات ثورية ناجِحة في عِلم الأعصاب، من بيْن عروض الشركات الفرعية والناشئة الثلاثين (30)، التي كانت حاضرة في المنتدى.


مقالات كتبتها أم كلثوم

مقالات كتبتها أم كلثوم

مقالات كتبتها أم كلثوم

أم كلثوم تغني ربما كلنا يعرف تلك الحقيقة، ولكن المدهش أن الست كما يسميها المصريون كانت تكتب أيضاً للصحافة، مقالات رأي بين الحين والآخر.
في ما يلي، استعادة لثلاثة مقالات، من بين مجموعة نشرتها أم كلثوم على مدى تاريخها الفني. ومعها، مقال من أرشيف السفير، لـرشا عبد الوهاب، تحكي فيه عن أم كلثوم التي امتلكت قدرات ذهنية، وبلاغة وسرعة بديهة تؤهلها لتكون صحافية بارعة، بحسب شهادة للصحافي مصطفى أمين، وعن علاقتها بالصحافيين والصحافة، لا سيما دورها في دعم وتأسيس مجلة آخر ساعة ومؤسسة أخبار اليوم.
_______
جمهوري
شتان بين ذلك اليوم الذي وقفتُ فيه لأول مرة أغني في حفلة عامة في القاهرة عام 1925 وبين هذه الأيام.. كنت في ذلك اليوم أحس أنني أقف أمام لجنة امتحان، وصحيح أنني كنت كالتلميذة التي حفظت دروسها (صم)، ولكن كان هناك دائماً شعور بالخوف من جمهور المستمعين.. حتى أنني لم أنم في تلك الليلة بعد أن انتهت الحفلة على خير ما يرام. ولكن على مر الأيام والحفلات صرت أجد لذة كبرى في الوقوف أمام الجماهير، وأنقلب الأمر فأصبحتُ أشعر وكأنني مدرِّسة وأن المستمعين هم التلاميذ. وإني لأجد متعة طيبة في أن أراقب الجمهور الذي يستمع إلي، وأدرس بعض شخصياته النادرة الطباع، وكأنني أشهد فيلماً مسلياً. ومن هؤلاء الذين أتسلى بمراقبتهم في أثناء حفلاتي الغنائية:
1- الرومبو:
وهو شخص رقيق جداً، ما أكاد أبدأ الأغنية حتى يضع يده على خده، ثم يستمع إلي في شرود عميق، وبين كل مقطع وآخر يرتفع صدره وينخفض في تنهيدة تعبر عن مبلغ أساه. وأراه سابحاً في الفكر والتنهيدات، ثم يفيق فجأة حين يسمع تصفيق المستمعين، ليشاركهم التصفيق. وأحياناً أرى هذا المستمع (الرومبو) جالساً إلى جانب جوليت وعندئذ يضيف إلى ما يفعله بعض النظرات يصوبها إليها بين حين وآخر، ليرى تأثير عبارات الأغنية على وجهها، وأشعر به في هذه اللحظة كأنما يقول لها: إنت سامعة؟
وما دمت قد تحدثت عن المستمع (الرومبو) فلأتحدث عن نوع آخر من المستمعات وهي:
2- العاطفية
وهي إنسانة أراها تجلس في مقعدها قبل أن أبدأ الغناء وقد راحت تصلح من تواليت وجهها، وبعد قليل أجدها - وأنا في عز الأغنية - قد أخرجت منديلاً من حقيبتها وراحت تجفف دموعها وهي تفرح إذا كانت عبارات الأغنية مفرحة، فيها لقاء بين الأحبة، وتبكي إذا كانت عباراتها تصف لوعة الهجر وطول الحرمان.. فإذا ما انتهت الوصلة، كان وجهها من فرط التقلبات العاطفية في أشد الحاجة إلى عملية «تواليت» أخرى.
وثمة نوع آخر من المستمعين هو:
3- العصبي
وهذا المستمع كثيراً ما يضحكني بتصرفاته، فهو عادة يكون هادئاً جداً قبل أن أغني، ثم يطرب فتهتاج أعصابه ويصيح بين كل مقطع وآخر بكلمات «أعد» و«كمان يا ست» ولا يكتفي بذلك، بل يتنطط على مقعده من فرط النشوة ولا يبدي اعجابه بالتصفيق كغيره، بل يقفز بطربوشه في الهواء. وأذكر أنني لاحظت في إحدى الحفلات أن هذا المتفرج حضر حاسر الرأس ــ بغير طربوش ــ فقلت في نفسي: «الحمدلله فلن يكون هناك طرابيش تقفز في الهواء». ولكن ما إن أنهيت أحد مقاطع الأغنية، حتى رأيت صاحبنا يختطف طربوش جاره ثم يقذف به في الهواء!
وبمناسبة الحديث عن (العصبي) يجدر بي أن أتحدث كذلك عن مستمع آخر أحب أن اسميه:
4- البطانة:
فهذا المستمع لا يلذ له الاستماع لي إلا وهو يردد معي الأغنية التي أغنيها، ولست أدري لماذا.. أهو يتدرب على الغناء أم أنه لا يطرب من صوتي وحده. وفي بعض الأحيان أجد تسلية لطيفة في مشاهدة هذا المستمع وهو يتمايل يميناً وشمالاً وقد تقلصت عضلات وجهه، وبرزت عروق رقبته، وهو يحاول أن يمشي معي في الغناء. وكثيرا ما أتوقف أثناء الغناء فجأة قبل أن أتم المقطع لألاحظ ما سيفعله، فأراه عندئذ يلتفت حوله وهو يبتسم، كأنما يداري خجله عن جيرانه المستمعين.
ولا بد أن أتحدث أيضاً عن ذلك المستمع الذي لا أدري إن كان سخيفاً أم ظريفاً أم الاثنين معاً.. ذلك هو:
5- المهرج
وأكاد أشك في أنه يحضر حفلاتي ليستمع إلى غنائي أكثر من رغبته في أن يثير حوله انتباه الناس، إن هذا المستمع ينفرد بين بقية المستمعين بأسلوبه الغريب في إبداء الإعجاب، فهو لا يصفق بيديه، بل يأتي معه بقطعة الخشب ليدق بها على الأرض أو المقعد كلما انتشى طرباً، وهو لا يقول «أعد» ولا «من الأول يا ست» مثل غيره، بل يطلق (زغرودة) طويلة تثير الضحك في جنبات المسرح؟ وهناك الكثير من أنواع المستمعين الذين يستحقون أن أتحدث عنهم لولا أن الحديث قد يستغرق صفحات المجلة كلها. من هؤلاء يتألف الجمهور الذي يحبني وأحبه.

(مجلة الكواكب)
____________
حينما أغني

غنيتُ وأنا طفلة صغيرة، لا أعرف من أمور الدنيا إلا ما يعرفه الأطفال. غنيتُ وأنا لا أشعر بما أقول، ولا أحس بحلاوة النغم في فمي، ولا أعرف بهزة الطرب في قلبي، وكنت إذا صفق الناس عجبت، وساءلت نفسي: لماذا يصفقون؟! وهكذا لا أستطيع أن أقول إنني عشقت الغناء طفلة، أو أن أدَّعي أنني كنت أردد القصائد والموشحات بدلاً من البكاء. لقد غنيت لـ «القمة» لا لـ«النغمة».. غنيت لأعيش، لا للفن ولا لآلهة الفن الجميل. وعندما كنت طفلة أغني في الأفراح، كانت أمنيتي أن تحدث مشاجرة واحدة على الأقل بين المدعوين، أو بين أصحاب الفرح، لأتفرج، وأستريح من عناء المغنى! والليلة المتعبة عندي هي التي تمر بسلام، فلا يحدث فيها ضرب، ولا يقع جري، ولا ترتفع فيها الكراسي في الهواء، ولا تتكسر الفوانيس على رؤوس المدعوين، ففي مثل تلك الليلة الهادئة كنت أضطر أن أكرر القصيدتين الوحيدتين اللتين كانتا كل محصولي من «الغنى» في تلك الأيام! كنت أصعد إلى المسرح لا يهمني شيء، ولا أبالي بشيء، ولا يخيفني شيء.. وأي شيء يخيف طفلة صغيرة لا تعي ما تفعل، ولا تفهم كلمة واحدة مما تقول. وكبرتُ وبدأ حظي يكبر معي، وبدأتُ «تذوق الفن»، عند ذلك بدأتُ أتهيب المسرح، وأرهبه، وأخشاه، وأشعر كلما غنيت أنني مقبلة على امتحان رهيب، وأن المستمعين هم أولئك الممتحنون الذين لا يرحمون، ولا يتساهلون، ولا يقبلون عقد امتحان ملحق للراسبين. وقد يحدث أحياناً أن أذهب إلى حفلة من الحفلات، وأنا على تمام الاستعداد لها، مزاج رائق، وصحة طيبة، فلا أكاد أفتح فمي للغناء حتى أتمنى لو أخذوا مني كل ما أملك، وعتقوني لوجه الله.. ولا أغني. وفي بعض الليالي، قد تكون صحتي ليست على ما يرام، ومزاجي لا يصلح للغناء، وإنما أذهب لأداء واجب، فلا أكاد أفتح فمي حتى تترقرق دمعة في عيني، وتظل حائرة، ثم لا ألبث أن أنسى الناس وأغني لنفسي، وقد أفتح عيني وأنظر للجمهور ولكنني لا أراه! أتصور المكان وليس فيه أحد سواي، لا أسمع أصوات التصفيق، ولا صيحات الاستحسان، فإذا كررت مقطعاً فإنما أكرره لأنني أريد ذلك، لا لأن صوتاً ارتفع يقول لي: «كمان». في مثل هذه اللحظات أغني وأنا أحلم، وتصبح القطعة الغنائية قطعة من قلبي، فإذا قلت «سافر حبيبي» فإنني أتخيل أن لي حبيباً، وأنه أسلمني للألم والعذاب. وإذا أنشدت «غنى الربيع» أحسست أن الدنيا كلها ربيع يغني: الأطيار تغني، والأشجار تورق، والوجوه تبتسم، والنسيم يراقص الغصون على أنغام الطير، وأرى الورد نعسان حقاً، والكون يشاركني فرحي، والجو يعني «كل لحن بلون».. ثم أتلفت وأبحث عن الحبيب الذي تخيلته فلا أجده، وأشعر أنه غاب عن قلبي الحائر، وأناديه: «كلمني»! وأذكره بالماضي الذي أعيش فيه، وأقول له: «طمني»، وأسأله عن حال فؤاده. هل قسا وأنا صابرة؟ هل غضب وأنا راضية؟ ثم أنظر حولي فإذا أنا وحيدة حقاً، وإذا الأزهار جفت فوق الغصون، وإذا الشمس غابت من أفق الأحلام، وإذا الأرض صحراء جرداء لا فيها زرع ولا ماء. وفي بعض الليالي أنتهي من غنائي وكأنني أنتهي من حلم، فيوقظني تصفيق الجمهور في نهاية المقطوعة، فأحس بالرعدة في جسمي، وأشعر شعور النائم حين يستيقظ بعد حلم رائع ويتمنى لو أنه لم يفتح عينيه، وعاش إلى الأبد في ذلك الحلم الجميل! وهناك ليلة في عمري لا أنساها، تختلف عن كل ليالي حياتي، ليلة أن غنيت في النادي الأهلي، وكانت ليلة العيد، وأقبل الملك فاروق. مفاجأة.. أحسست عندئذ أن في قلبي عيداً سعيداً، وأن في قلبي موسيقى تعزف بأعذب الألحان. وأحسست في الوقت نفسه برهبة، وخوف. وحرت ماذا أغني في حضرة المليك؟! ورحت أغني.. ولم أشعر بشيء بعد ذلك، ولم أعرف أنني أجدت، ولم أعرف أنني فشلت. بعد ذلك بأيام كنت في محطة الإذاعة، أسمع الشريط الذي سجلت عليه أغاني الحفلة، فأغمضت عيني، ورحت أسمع، ولم أتمالك نفسي، فوجدتني أصيح: الله.. يا أم كلثوم!

(أخبار اليوم ـ 25 تشرين الثاني 1944)
_______
موسم النرفزة

ألم تلاحظوا أن كل إنسان في مصر أصبح عصبياً هذه الأيام؟ الوزراء عصبيون، والصحافيون أشد عصبية من الوزراء، والزعماء «متنرفزون» والشعب أكثر نرفزة من الزعماء، والنساء ساخطات، والرجال غاضبون، والإضرابات في كل مكان، وكل إنسان في مصر يقول: «شكل للبيع»! وليس السبب في كل هذا الغلاء كما تصر الصحف، ولا السبب الحركات الشيوعية، المفاوضات والخلافات الحزبية.. ولكن اكتشفتُ السبب الوحيد في كل ما نراه الآن من عصبية الشعب المصري هو التليفون! تصور مثلاً وزير التجارة يستيقظ في الصباح ليشرف على حالة الغلاء.. ويسأل عن صحة البرتقال والسكر والزيت! ويطلب الوزير في التليفون وكيل وزراء التجارة، فيرد عليه حلاق صحة السيدة زينب ويتنرفز وزير التجارة ويعود ليطلب رقم الوكيل فيرد مستشفى رعاية الأطفال في إمبابة! ويضرب وزير التجارة السماعة بشدة ويعود فيطلب نمرة وكيل التجارة.. وهنا يسمع رداً متقطعاً، وأزيزاً متواصلًا.. ثم صراخاً في الأسلاك، ثم طقطقة في السماعة.. فإذا تحمل الوزير كل هذا ولم يصب بالإغماء، جاءت النمرة مشغولة! وتزداد عصبية وزير التجارة ويعود إلى طلب الرقم من جديد، فإذا الوكيل لا يرد، ويعجب الوزير كيف أن الوكيل ليس في مكتبه، فيزداد عصبية، ويطلب سكرتير الوكيل، وبعد أن ينقطع التليفون سبع مرات، يعلم أن الوكيل موجود في مكتبه من الصباح الباكر، فيطلب أن يحادثه، فيحول له السكرتير «السكة»، ثم يسمع الوزير صوت الوكيل، وهو يبدو من بعيد كأنه وزير تجارة مراكش يتكلم مع وكيل وزارة الصين! ويصرخ الوزير ليسمعه الوكيل، ويتنرفز الوزير والوكيل والسكرتير الذي يتدخل كل خمس دقائق في الحديث ليصلح السكة، وليتوسل لسنترال الوزارات ألا يقطع محادثة معالي الوزير.. ويهدأ الجو. وتنتظم المحادثة، ويبدأ الوزير في ذكر ما يريد أن يقول للوكيل.. وفجأة، يدخل صوت في التليفون ويصيح: أنا أبوعوف.. أنا أبوعوف.. عم محمد البقال موجود؟ ويصرخ وزير التجارة: عم محمد مين يا جدع! ويتدخل السكرتير ويقول: إنت بتتكلم مع وزير التجارة، ويقول الصوت ببرود عجيب: خلي محمد البقال يكلمني يا وزير التجارة! ويتنرفز الوزير والوكيل والسكرتير، وأبوعوف أيضاً، ويذهب الوزير إلى مكتبه وأعصابه فوق جلده والعصبية تركب السيارة معه بجوار السائق بدلاً من الساعي! ويدخل الوزير مكتبه بهذه الحالة، فيتخانق مع التجار، ويتشاجر مع المستهلكين، ويختلف مع الموظفين.. ويزداد الغلاء! ووزير الخارجية كذلك... يبدأ صباحه مبكراً، فيتكلم في التليفون مثلاً طالباً سفير إيطاليا.. وبعد أن يقول له: «هاو دو يو دو؟» وأهلاً بحلفائنا الأعزاء، يكتشف أن هناك لخبطة في الخط، وأن الذي يرد عليه هو سفير روسيا. ولما كنا ضد الشيوعية، فإن الوزير يسرع ويقفل السكة. ثم يعود الوزير فيطلب رقم السفير البريطاني، وإذا الذي يرد عليه هو حانوتي باب الخلق!! ويسأله الوزير عن موعد الجلاء مثلاً، فيجيبه «الساعه الثالثة من ميدان الإسماعيلية». ويحاول الوزير عبثاً أن يتصل بمكتبه، ولكن المكتب لا يرد، ثم يرد المكتب، ثم تنقطع المحادثة، ويتنرفز الوزير، ويذهب إلى مكتبه عصبياً، فيتخانق مع سفير بريطانيا، وأميركا، وروسيا، وسفير اليمن أيضاً... وتخرج الصحف تقول إن علاقتنا مع الدول كلها سيئة.. وهي لا تعرف أن المسؤول التليفون! وزير المالية هو الآخر ضحية مصلحة التليفونات.. يطلب مثلاً نادي رجال البوليس، ليبلغهم سراً أنه قرر زيادة مرتباتهم، و«ما تقولش لحد»، فتختلط المحادثة بتليفون نادي الأطباء، فيطالبون هم الآخرون بإنصافهم.. فيحاول أن يبلغهم تليفونياً أنه أجاب طلباتهم.. «وما يقولش لحد».. فتختلط السكة بخط نقابة المهندسين.. ويسمعون المحادثة.. فيثور المهندسون ويطالبون بإنصافهم. ويطلب الوزير مثلاً شركة سعيدة ليبلغها أنه قرر منحها إعانة مالية، فيظهر أن النمرة التي جاءت هي نمرة مشيخة الأزهر، ويقول الوزير: سعيدة. فيرد شيخ الأزهر: سعيدة. ويبلغ المشايخ البشرى. ثم تصدر وزارة المالية بلاغاً تكذب فيه أنها قررت إعانة الأزهر، فيقوم العلماء ولا يقعدون، ويعرفون مسألة إعانة شركة سعيدة ويقولون إن الإعانة تكفي لإنصاف الأزهر والمعاهد الدينية وهيئة كبار العلماء! ويتنرفز وزير المالية وتتنرفز معه الميزانية وتضرب الطوائف.. وأنا شخصياً ضحية التليفون، وما أنا إلا فرد من هذا الشعب العصبي، أستيقظ في الصباح نشيطة متمتعة بكامل صحتي. وأمسك سماعة التليفون فإذا بأعصابي تتحول إلى شبكة تلفزيونية ملخبطة.. أسمع وَزاً، ثم يعود الوز، ثم يختفي كأنه يلعب معي لعبة «حاوريني يا طيطة»! وأعيد السماعة إلى التليفون وأبدأ في تهدئة أعصابي وإقناع نفسي بأن أزمة التليفون ستحل بعد سنتين كما تبشرنا الصحف، ثم أمسك السماعة فأسمع الوز فأفرح، وأسرع فأدير قرص التليفون بالرقم الذي أريده. وفجأة يسكت التليفون.. فأضع السماعة وأبدأ من جديد، وبعد خمس وعشرين محاولة تقريباً، أنجح في إدارة الرقم الذي أريده، وإذا بالكهرباء تتوقف ثم أسمع الجرس يدق. وأقول: هالو. ويقول صوت: هالو مين؟ أقول: أنت عاوزة مين؟ يقول: إنت عاوزة مين أقول: انت اللي طلبتني يقول: أبداً انت اللي طلبتني.. ويفقد الصوت أعصابه فجأة، ويقول: يا ستي انت اللي طلبتي.. إحنا ناس مشغولين.. إحنا ناس متجوزين.. ما تجيبلناش مصيبة ع الصبح! وأتضايق وأشتمه، ويشتمنى، وأتنرفز ويتنرفز.. ويتنرفز الشعب المصري الحليم! وأعالج نفسي بالأدوية المهدئة.. ثم أمسك التليفون وأطلب صديقتي، فترد عليَّ بعد طلوع الروح! وما أكاد أقول: صباح الخير.. حتى يرد عليَّ سبعة أشخاص في وقت واحد. وأسمع صوتاً يقول: إقفلي السكة! وصوتاً ثانياً يقول: يا محمد أفندي ما تنساش الفراخ، وصوتاً ثالثاً يصرخ: ده بقى راديو مش تليفون، وصوتاً رابعاً يصرخ: يا الدلعدي خلينا نتكلم!.... وصوتاً خامساً يقول: بعتوا القطن بكام؟ فيرد سادس ويقول: وإنت مالك يا بارد، إسمع يا محمد أفندي، ما تنساش الفراخ! فيصيح سابع بحالة عصبية: اقفلوا السكة خلينا نتكلم! ويشترك السبعة في مناقشه حادة. وتنتهي بأن يشتموا بعضهم البعض ويقفلوا التليفون.. عصبيين.. متنرفزين.. غاضبين.. مضربين. وهكذا تعودت الآن أنني إذا طلبت رقماً في التليفون لا أقول «هالوه»، وإنما أقول: سيداتي... سادتي!

(مجلة آخر ساعة - 31 كانون الثاني 1951)
ثقافة

ثقافة


الثقافة :

كلمة قديمة وعريقة في العربية، فهي تعني صقل النفس والمنطق والفطانة، وفي المعجم "وثقف نفسه" اي صار حاذقا خفيفا فطنا، وثقفه تثقيفا اي سواه، وثقف الرمح، تعني سواه وقومه، والمثقف في اللغة هو القلم المبري, وقد اشتقت هذه الكلمة منه حيث أن المثقف يقوم نفسه بتعلم أمور جديدة كما هو حال القلم عندما يتم بريه. ولطالما استعملت الثقافة في عصرنا الحديث هذا للدلالة على الرقي الفكري والأدبي والاجتماعي للأفراد والجماعات. فالثقافة لا تعد مجموعة من الأفكار فحسب، ولكنها نظرية في السلوك مما يساعد على رسم طريق الحياة إجمالا، وبما يتمثل فيه الطابع العام الذي ينطبع عليه شعب من الشعوب، وهي الوجوه المميزة لمقومات الأمة التي تميز بها عن غيرها من الجماعات بما تقوم به من العقائد والقيم واللغة والمبادئ، والسلوك والمقدسات والقوانين والتجارب.و إجمالا فإن الثقافة هي كل مركب يتضمن المعارف والعقائد والفنون والأخلاق والقوانين والعادات.

فإنه يمكن استخدام كلمة "ثقافة" في التعبير عن أحد المعانى الثلاثة الأساسية التالية:
  • التذوق المتميز للفنون الجميلة والعلوم الإنسانية، وهو ما يعرف أيضا بالثقافة عالية المستوى.
  • نمط متكامل من المعرفة البشرية، والاعتقاد، والسلوك الذي يعتمد على القدرة على التفكير الرمزي والتعلم الاجتماعي.
  • مجموعة من الاتجاهات المشتركة، والقيم، والأهداف، والممارسات التي تميز مؤسسة أو منظمة أو جماعة ما.
عندما ظهر هذا المفهوم لأول مرة في أوروبا في القرنى الثامن عشر والتاسع عشر، كان يشير فيما يشير إليه إلى عملية الاستصلاح أو تحسين المستوى، كما هو الحال في عملية الزراعة أوالبستنة.أما في القرن التاسع عشر، أصبح يشير بصورة واضحة إلى تحسين أو تعديل المهارات الفردية للإنسان، لا سيما من خلال التعليم والتربية، ومن ثم إلى تحقيق قدر من التنمية العقلية والروحية للإنسان والتوصل إلى رخاء قومي وقيم عليا. إلى أن جاء منتصف القرن التاسع عشر، وقام بعض العلماء باستخدام مصطلح "الثقافة" للإشارة إلى قدرة الإنسان البشرية على مستوى العالم.
وبحلول القرن العشرين، برز مصطلح "الثقافة" للعيان ليصبح مفهوما أساسيا في علم الانثروبولوجيا، ليشمل بذلك كل الظواهر البشرية التي لا تعد كنتائج لعلم الوراثة البشرية بصفة أساسية. وعلى وجه التحديد، فإن مصطلح "الثقافة" قد يشمل تفسيرين في الأنثروبولوجيا الأمريكية؛ *التفسير الأول: نبوغ القدرة الإنسانية لحد يجعلها تصنف وتبين الخبرات والتجارب بطريقة رمزية، ومن ثم التصرف على هذا الأساس بطريقة إبداعية وخلاقة.
  • التفسير الثاني: فيشير إلى الطرق المتباينة للعديد من الناس الذين يعيشون في أرجاء مختلفة من العالم والتي توضح وتصنف بدورها خبراتهم، والتي تؤثر بشكل كبير على تميز تصرفاتهم بالإبداع الوقت ذاته. وفى أعقاب الحرب العالمية الثانية، صار لهذا المفهوم قدر من الأهمية ولكن بمعانى مختلفة بعض الشئ في بعض التخصصات الأخرى مثل علم الاجتماع، والأبحاث الثقافية، وعلم النفس التنظيمي، وأخيرا الأبحاث المتعلقة بعلم الإدارة.

الحرب العالمية الأولى


الحرب العالمية الأولى

التاريخ28 يوليو 1914 – 11 نوفمبر 1918
(4 سنوات، 3 أشهر وأسبوع واحد)
هدنة كومبين الأولى
الموقعأوروبا، أفريقيا جزر المحيط الهادئ المحيط الأطلسي الصين الشرق الأوسط وقبالة سواحل أمريكا الجنوبية والشمالية
النتيجةانتصار القوات الحلفاء
نهاية الإمبراطورية الألمانية والامبراطورية الروسية والدولة العثمانية والنمسا والمجر.
تشكيل دول جديدة في أوروبا والشرق الأوسط
نقل المستعمرات الألمانية وتقسيم مناطق الدولة العثمانية إلى القوى الأخرى.
إنشاء عصبة الأمم.
  • مع عقارب الساعة من الأعلى: الخنادق على طول الحدود الفرنسية الألمانية، دبابة مارك-5 بريطانية خلال عبورها للخنادق، البارجة البريطانية إريزيستابل تغرق بعد اصطدامها بلغم في مضيق الدردنيل، رشاش فيكرز بريطاني، طائرات ألباتروس دي.3 لسلاح الجو الألماني.

الحرب العالمية الأولى هي حرب عالمية نشبت بين القوى الأوروبية في 28 يوليو 1914 وانتهت في 11 نوفمبر من عام 1918. كانت تسمى بالحرب العالمية والحرب العُظمى حتى تغيير المسمى بسبب وقوع الحرب العالمية الثانية. بينما سُميت في الولايات المتحدة بالحرب الأوروبية. تقدر خسائر الحرب العالمية الأولى بأكثر من 9 ملايين مقاتل لقي حتفه؛ وتفاقم معدل الإصابات بسبب التطور التقني والصناعي للمتحاربين، وتعد أحد أعنف صراعات التاريخ، وتسببت في التمهيد لتغييرات سياسية كبيرة تضمنت ثورات في العديد من الدول.
جمعت الحرب الدول التي لديها القوى العظمى، والتي جُمعت في مجموعتين من الدول المتعارضة: قوات الحلفاء (الوفاق الثلاثي وهم المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وإيرلندا، فرنسا والإمبراطورية الروسية). ودول المركز (الإمبراطورية الألمانية والإمبراطورية النمساوية المجرية والدولة العثمانية ومملكة بلغاريا). مع أن إيطاليا كانت من ضمن الحلف الثلاثي مع الإمبراطورية الألمانية والإمبراطورية النمساوية المجرية إلا أنها لم تنضم معهما في حلف دول المركز بسبب أن الإمبراطورية النمساوية المجرية اتخذت الهجوم ضد قوات الحلفاء.[11] وقد توسعت هذه التحالفات وكبرت مع ازدياد دخول العديد من الدول للمشاركة في هذه الحرب؛ مملكة إيطاليا، اليابان والولايات المتحدة انضموا إلى الحلفاء بينما انضمت الدولة العثمانية ومملكة بلغاريا لدول المركز. في النهاية فإن أكثر من 70 مليون من الأفراد العسكريين من بينهم 60 مليون من الأوروبيين احتشدوا للمشاركة في واحدة من أكبر المعارك في التاريخ.
مع أن التوسع الاستعماري هو السبب الكامن وراء هذه الحرب إلا أن السبب المباشر كان على إثر أزمة دبلوماسية نشبت حينما أعلنت الإمبراطورية النمساوية المجرية الحرب على مملكة صربيا بسبب اغتيال ولي عهد النمسا الأرشيدوق فرانز فرديناند مع زوجته من قبل طالب صربي يدعى غافريلو برينسيب أثناء زيارتهما لسراييفو في 28 يونيو 1914.وهذه الأزمة السياسية أدت لظهور التحالفات الدولية على مدى العقود السابقة، ففي غضون أسابيع انتشرت القوى الكبرى في جميع أنحاء العالم.
في 28 يوليو وذلك بعد شهر من اغتيال ولي العهد غزت الإمبراطورية النمساوية المجرية مملكة صربيا. بينما قامت الإمبراطورية الروسية بحشد قواتها غزت الإمبراطورية الألمانية حياد بلجيكا ولوكسمبورغ قبل أن تمضي قدمًا لغزو فرنسا، مما جعل المملكة المتحدة تعلن الحرب على الإمبراطورية الألمانية. بعد أن توقفت مسيرة الألمان في باريس وقعت حرب استنزاف في الجبهة الغربية وظهور حرب الخنادق الذي غيَّر عام 1917. في تلك الفترة في الجبهة الغربية لازالت القوات الروسية تقاوم بنجاح ضد القوات النمساوية المجرية ولكن توقف القتال بسبب الغزو الروسي لبروسيا الشرقية ضد القوات الألمانية. في نوفمبر 1914 انضمت الدولة العثمانية للحرب وقد فتحت جبهاتها في القوقاز، بلاد الرافدين وسيناء. ذهبت مملكة بلغاريا ومملكة إيطاليا للحرب عام 1915 ومملكة رومانيا عام 1916 و الولايات المتحدة عام 1917.
اقتربت الحرب من نهايتها بعد انهيار الحكومة الروسية في شهر مارس بسبب تبعات أحداث ثورة فبراير و الثورة البلشفية وجعلها تتوصل إلى اتفاق مع دول المركز. في 4 نوفمبر 1918 وافقت الإمبراطورية النمساوية المجرية على وضع هدنة عرفت باسم هدنة فيلا غوستي. بعد الهجوم الألماني على طول الجبهة الغربية في عام 1918 قاد الحلفاء الألمان مرة أخرى سلسلة من الهجمات الناجحة وبدأ ظهور حرب الخنادق، ولكن بسبب المشكلة التي ظهرت في ألمانيا نتيجة ظهور ثورة نوفمبر على أرضها وافقت على الهدنة في 11 نوفمبر من عام 1918، وهكذا انتهت الحرب بفوز الحلفاء على دول المركز.
مع نهاية هذه الحرب لم يعد للإمبراطوريات الثلاثة وجود: الإمبراطورية الألمانية، الإمبراطورية الروسية، الإمبراطورية النمساوية المجرية إضافًة إلى نهاية الدولة العثمانية. لقد فقدت الإمبراطوريتان الأوليتان السابقتان العديد من الأراضي الكبيرة بينما تفككت الأخرى تمامًا ولم يعد لها وجود وقد أُعيد رسم خريطة أوروبا بالدول المستقلة وخلق دول جديدة بسبب التقسيمات الجديدة. تشكلت عصبة الأمم بهدف منع أي تكرار لمثل هذا الصراع المروع ولكن هذا الهدف قد فشل تمامًا بسبب ضعف الدول وتجدد القومية الأوروبية إضافًة لشعور الألمان بالمهانة ساهم في صعود الفاشية ووقوع الحرب العالمية الثانية.

المتحاربون
دول الحلفاء
فرنسا الجمهورية الفرنسية الثالثة
Flag of the United Kingdom.svg الإمبراطورية البريطانية
Flag of the United Kingdom.svg المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وإيرلندا
 أستراليا
 كندا
British Raj Red Ensign.svg الهند البريطانية
Dominion of Newfoundland Red Ensign.svg مستعمرة نيوفاوندلاند
 نيوزيلندا
Flag of South Africa (1928-1994).svg اتحاد جنوب أفريقيا
Flag of Russian Empire for private use (1914–1917).svg الإمبراطورية الروسية (1914–17)
Flag of Italy (1861-1946).svg المملكة الإيطالية (1915–18)
 الولايات المتحدة (1917–18)
 اليابان
 مملكة صربيا
Flag of the Kingdom of Montenegro.svg مملكة الجبل الأسود
مملكة رومانيا(1916–18)
 بلجيكا
 اليونان(1917–18)
البرتغال (1916–18)
...وآخرون
دول المركز
Flag of the German Empire.svg الإمبراطورية الألمانية
Flagge Großherzogtum Baden (1891–1918).svg دوقية بادن الكبرى
Flag of Bavaria (striped).svg مملكة بافاريا
Flag of Prussia 1892-1918.svg مملكة بروسيا
Flagge Königreich Sachsen (1815-1918).svg مملكة ساكسونيا
Flagge Königreich Württemberg.svg مملكة فورتمبيرغ
Flag of Austria-Hungary (1869-1918).svg الإمبراطورية النمساوية المجرية
 الدولة العثمانية
Flag of Bulgaria.svg مملكة بلغاريا (1915–18)

المتحاربين المشاركين
دارفور (1914-16)
دولة الدراويش
إمارة جبل شمر
...وآخرون
القادة
قوات الحلفاء
فرنسا جورج كليمانصو
فرنسا ريمون بوانكاريه
فرنسا فرديناند فوش
الإمبراطورية البريطانية هربرت أسكويث
الإمبراطورية البريطانية ديفيد لويد جورج
الإمبراطورية البريطانية دوغلاس هيج، إيرل هيج الأول
Flag of Russia.svg نيقولا الثاني إمبراطور روسيا
Flag of Russia.svg نيكولاي نيكولايفيتش
Flag of Russia.svg ألكسي بروسيلوف
Flag of Italy (1861-1946).svg فيكتور عمانويل الثالث
Flag of Italy (1861-1946).svg فيتوريو إمانويلي أورلاندو
Flag of Italy (1861-1946).svg لويجي كادورنا
الولايات المتحدة وودرو ويلسون
الولايات المتحدة جون بيرشنغ
Flag of Romania.svg فرديناند الأول ملك رومانيا
Flag of Romania.svg كونستانتين بريزان
إمبراطورية اليابان الإمبراطور تايشو
State Flag of Serbia (1882-1918).svg بيتر الأول ملك صربيا
State Flag of Serbia (1882-1918).svg رادومير يوتنيك
بلجيكا ألبرت الأول ...وآخرون
دول المركز
الإمبراطورية الألمانية فيلهلم الثاني
الإمبراطورية الألمانية باول فون هيندنبورغ
الإمبراطورية الألمانية إريك لودندورف
الإمبراطورية الألمانية إريش فون فالكنهاين
الإمبراطورية الألمانية هيلموت فون مولتكه الأصغر
Flag of Austria-Hungary (1869-1918).svg فرانتس يوزف الأول (1914–16)
Flag of Austria-Hungary (1869-1918).svg تشارلز الأول إمبراطور النمسا (1916–18)
Flag of Austria-Hungary (1869-1918).svg فرانز كونراد فون هوتزيندروف
Flag of Austria-Hungary (1869-1918).svg أرثر إرز فون ستروسنبيرغ
الدولة العثمانية أنور باشا
الدولة العثمانية أوتو ليمان فون ساندرز
الدولة العثمانية طلعت باشا
الدولة العثمانية جمال باشا
الدولة العثمانية مصطفى كمال أتاتورك
Flag of Bulgaria.svg فرديناند الأول ملك بلغاريا
Flag of Bulgaria.svg نيكولا زيكوف
... وآخرون
القوى
Flag of Russian Empire for private use (1914–1917).svg الإمبراطورية الروسية 12,000,000
Flag of the United Kingdom.svg الإمبراطورية البريطانية 8,841,541[2][3]
فرنسا فرنسا 8,660,000[4]
Flag of Italy (1861-1946).svg المملكة الإيطالية 5,615,140
 الولايات المتحدة 4,743,826
Flag of Romania.svg مملكة رومانيا
1,234,000
 اليابان 800,000
 مملكة صربيا 707,343
 بلجيكا 380,000
State Flag of Greece (1863-1924 and 1935-1970).svg مملكة اليونان250,000
المجموع: 42,959,850
Flag of the German Empire.svg الإمبراطورية الألمانية 13,250,000
Flag of Austria-Hungary (1869-1918).svg الإمبراطورية النمساوية المجرية 7,800,000
 الدولة العثمانية 2,998,321
Flag of Bulgaria.svg مملكة بلغاريا 1,200,000
المجموع: 25,248,321
الخسائر
القتلى العسكريين:
5,525,000
الجرحى العسكريين:
12,831,500
المفقودين العسكريين:
4,121,000
المجموع:
22,477,500 
القتلى العسكريين:
4,386,000
الجرحى العسكريين:
8,388,000
المفقودين العسكريين:
3,629,000
المجموع:
16,403,000 

الدوافع

التحالفات السياسية والعسكرية


في القرن 19 قامت الدول الأوروبية الكبرى بجهد كبير للحفاظ على علاقاتها الدولية في جميع أنحاء أوروبا مما أدى إلى وجود شبكة معقدة من التحالفات السياسية والعسكرية في جميع أنحاء القارة بحلول عام 1900. بدأ كل ذلك في عام 1815 تحت مسمى التحالف المقدس بين بروسيا وروسيا والنمسا. في أكتوبر من عام 1873 قام المستشار الألماني أوتو فون بسمارك بالتفاوض مع الأباطرة الثلاثة ملك الإمبراطورية النمساوية المجرية، ملك الإمبراطورية الألمانية وملك الإمبراطورية الروسية ولكن هذا الاتفاق قد فشل بسبب أن الإمبراطورية النمساوية المجرية والإمبراطورية الروسية لم تتفقا على سياسة البلقان، مؤديًا ذلك إلى أن جعل الإمبراطورية النمساوية المجرية والألمانية تتحالفان عام 1879 وقد أطلق عليه بالتحالف المزدوج واعتبر ذلك وسيلة لمواجهة النفوذ الروسي في البلقان حيث واصلت الدولة العثمانية بالضعف.مواطنو

في سنة 1882 توسع هذا التحالف بعدما انضمت إيطاليا إليه وأصبح بعد ذلك تحالفًا ثلاثيًّا.كان بسمارك يحاول جعل روسيا مع ألمانيا حتى يمنع حصول قتال في الجبهتين فرنسا وروسيا. حينما تُوِّج فيلهلم الثاني كقيصر لألمانيا اضطر بسمارك للتقاعد ونظام التحالفات الذي عمل لأجله قد أُلغي تدريجيًّا. فعلى سبيل المثال لم يقم القيصر بتجديد معاهدة إعادة التأمين مع روسيا في عام 1890. بعد سنتين وُقِّع التحالف الفرنسي الروسي لمواجهة قوة التحالف الثلاثي. في عام 1904 وقعت بريطانيا عدة اتفاقيات من بينها الحلف الودي مع فرنسا وفي عام 1907 وقَّعت بريطانيا وروسيا الحلف الأنجلو الروسي في حين أن هذه الاتفاقيات لم تحالف بريطانيا رسميًّا مع فرنسا وروسيا، ولكنها جعلت دخول بريطانيا للأراضي الفرنسية أو الروسية في المستقبل ممكنًا وأصبح يُعرف بالوفاق الثلاثي.


سباق التسلح

نمت القوة الاقتصادية والصناعة في ألمانيا بشكل كبير بعد حركة توحيد ألمانيا في عام 1871 تبعتها الحرب الفرنسية البروسية. منذ منتصف عقد 1890 استعملت حكومة فيلهلم الثاني هذا الأساس لتكريس موارد اقتصادية كبيرة لبناء البحرية الإمبراطورية الألمانية التي تأسست على يد الأدميرال ألفريد فون تيربيتز في منافسة مع البحرية الملكية البريطانية للتفوق في البحرية من بين دول العالم. ونتيجة لذلك سعت كل دولة إلى بناء السفن الرئيسية. مع إطلاق بارجة HMS Dreadnought في عام 1906 توسَّعت الإمبراطورية البريطانية بسبب تميزها على منافستها الألمانية.في نهاية المطاف توسع سباق التسلح بين بريطانيا وألمانيا إلى جميع أنحاء أوروبا، فمع وجود كل القوى الكبرى تم تكريس قاعدة صناعية لإنتاج المعدات والأسلحة اللازمة لصراع عموم أوروبا. بين أعوام 1908 و 1913 زاد الإنفاق العسكري من القوى الأوروبية بنسبة 50٪.
ويظهر الجدول التالي نفقات القوى العظمى على الجيش والبحرية بالمارك الألماني عام 1913.

الدولةالسكان
(مليون نسمة)
نفقات الجيش
(مليون مارك)
نفقات سلاح البحرية
(مليون مارك)
المجموع
(مليون مارك)
الإمبراطورية الألمانية67,510094671476
الإمبراطورية النمساوية المجرية52,7496155651
مملكة إيطاليا35,1332205537
الإمبراطورية الروسية157,812544981752
فرنسا39,77664121178
المملكة المتحدة465769451521
الولايات المتحدة الأمريكية96,84225951017
الإمبراطورية اليابانية54,3207203410


الصراعات في البلقان

خريطة العالم تظهر المشاركين في الحرب العالمية الأولى. الذين يقاتلون مع جانب الحلف الثلاثي (الوفاق الثلاثي) يظهرون باللون الأخضر، و دول المركز باللون البرتقالي، والبلدان المحايدة باللون الرمادي.

أعلنت الإمبراطورية النمساوية المجرية الضم العسكري للبوسنة والهرسك فيما عُرف بالأزمة البوسنية (1908–1909) عن طريق ضم الأراضي العثمانية السابقة البوسنة والهرسك التي احتلتها منذ عام 1878 وقد أغضب هذا مملكة صربيا ورعاتها؛ القومية السلافية والأرثودكسية الشرقية في الإمبراطورية الروسية. زعزعت المناورات السياسية الروسية في المنطقة استقرار اتفاقيات السلام، وقد نُقضت بالفعل وقد سمي هذا الوضع "ببرميل بارود أوروبا". في عام 1912 و1913 وقعت حرب البلقان الأولى بين اتحاد البلقان والدولة العثمانية الضعيفة وكنتيجة لإنهاء هذه الحرب ظهرت معاهدة لندن للسلام وإنهاء الحرب، وقد تسببت هذه المعاهد في تقليص الدولة العثمانية وإنشاء الدولة الألبانية المستقلة في حين توسعت حيازات أراضي بلغاريا، صربيا، الجبل الأسود واليونان. عندما هاجمت بلغاريا كل من صربيا واليونان يوم 16 يونيو 1913 فقدت معظم مقدونيا إلى صربيا واليونان وجنوب دوبروجا لرومانيا في حرب البلقان الثانية التي استمرت 33 يومًا وقد أدَّى ذلك لزعزعة المزيد من استقرار المنطقة.
إن التحول الحقيقي في نشوب الحرب العالمية الأولى هو بسبب تحول ميزان القوى بعد حرب البلقان، فقد زاد التقارب بين دول الوفاق الثلاثي إنجلترا وفرنسا وروسيا، استطاعت الإمبراطورية الروسية أن تتحكم في الصرب وإزداد نفوذها في رومانيا، ومن أخطر نتائج حرب البلقان هو نمو صربيا أرضًا وسكانًا كذلك اشتداد الحركة الصربية داخل الصرب وبين الأقليات الصربية الموجودة تحت حكم النمسا. بسبب الجفاء بينها وبين بلغاريا إضافًة إلى أن الدولة العثمانية لم تعد قوية كما كانت كل ذلك سمح لروسيا بأن تفكر في الإستيلاء على أراضيها ومضائقها البحرية ولكن هذا كله لن يحصل إلا بحرب أوروبية، لذا عليها أن تخلق مشكلة سياسية إذا أرادت احتلال المضائق في الوقت الذي كانت فيه زيادة التسلح في أوروبا سائرة بوتيرة سريعة.